دراسات إسلامية 

الإسلام شريعة الأمل العالمي

(2/2)

 

بقلم : الأستاذ إسماعيل عبد الفتاح عبد الكافي

 

 

ثالثًا : الأخلاق الإسلامية :

       جاء الإسلام بمجموعة من الأخلاقيات التي تُنَظم حياة المسلم وتعطي القدوة الطيبة والقيم الأصيلة التي تصنع مجتمعًا مستقرًا بالأخلاق الإسلامية جاء الإسلام بها من أجل سمو ارتقاء الحياة الانسانية ، وهي مما تتميز بها الحياة عن الدنايا والشرور ويستقيم عليها أدب النفس وأدب السلوك والقرآن حافل بما تتحلى به النفس من قيم الأخلاق وبما يجب أن يكون عليه سلوك البشر وبالنهي عما يجترح هذه القيم أو ينال منها أو يتطاول عليها أو يخدشها أو يكون سببًا من أسبابها أو يؤدي اليها، كما نهى عما يسيء إلى البدن حفاظاً على الصحة وعما يسيء إلى العقل حفاظاً على سلامة الإدراك. والحضارة الإسلامية لاتقوم على أسس سليمة إلا بهذه الاخلاق، فالرحمة والبر والتعاطف والحياء والتواضع والفضائل على أنواعها أقام لها الإسلام المعايير وقاس عليها سلوك الإنسان أمام الله وأمام الناس(25). كما أن الأخلاق الإسلامية مما يتواءم مع الحياة الدنيا ومما يقوم عليها مجتمع إنساني سليم فليس فيها إغراق أو تطرف يحملها إلى عالم التجريد وليس فيها ما يحمل الإنسان فوق طاقته، وإنما هي من واقع حياة المسلم مايستقيم معها حياته على الخير ويستقيم بها عقله على الإيمان، إذ جمع الإسلام بين المثالية الرفيعة والواقعية التي تتفق مع العقل ، فلا يغفل الطبيعة البشرية ولايسرح في تهويمات ضالة ملتوية بعيدًا عن الحقيقة والواقع، بل ينشد السمو بالإنسان إلى ذروة الكمال المطلق، ولكن إذا حقق ماينشد إذ حاول تحقيقه، يعلم تمامًا أن الإنسان قد ميل على النقص، فقال بمعاقبة المُسيء مثل ما عاقب به ثم رغب أشد الترغيب في العفو عن المسييء والإحسان إليه، ودرء السيئة بالحسنة في قوله تعالى ﴿وَإِنْ تَعْفُوْا وَتَصْفَحُوْا وَتَغْفِرُوْا فَإِنَّ اللهَ غَفُوْرٌ رَّحِيْمٌ﴾(26).

       وإذا أردنا أن نلتمس عبارة جامعة للأخلاق الإسلامية التمسناها في قوله تعالى ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، تَأْمُرُوْنَ بِالْمَعْرُوْفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُوْنَ بِاللهِ﴾(27)، ولذلك تُلهمنا الأَخلاق الإسلامية عما يمكن أن نسميه ثقافة أخلاقية بصفتها أساسًا لأدب النفس والسلوك وأساسًا لحضارة إنسانية تقوم على التزاوج بين الروح والعقل، فحيث يسمو الخلق الإسلامي بمبادئه إلى أعلى ماينشده الإنسان من المثالية الروحية، نراه يوفق بين ماهو أبدى وماهو متغير.

       فالأخلاق الإسلامية تقوم على المحبة ومبناها الأخوة العدل ومبناه المساواة والرحمة ومبناها الإحسان والتعاطف والصبر والأمر بالمعروف ومبناها حب الخير للآخرين والنهي عن المنكر ومنفاها كل مايسيء إلى النفس وإلى الآخرين(28)، قال تعالى ﴿إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيْتَاءِ ذِيْ القُرْبـٰـى، ويَنْهىٰ عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُوْنَ﴾(29).

       وتَنْبُع الأخلاق الإسلامية من معنى الإسلام الذي يتمثل جوهرة في الصدق مع الله وصدق مع النفس وصدق مع جميع البشر وأنه دين سهل لا التواء في دعوته ولاتعقيد فهو دين الفطرة طبيعته اليسر والتسامح، جَمَعَ المؤمنين به على التعاون والتراحم والتكافل، كما دعا إلى التحرر والمساواة ونُصْرَة المظلوم ونادى بالمحافظة على النفس وحمايتها، كما نادى بالمحافظة على الأسرة وترابطها وحث على كل نواحي الخير للإنسان.

       ومن الأخلاق الإسلامية التسامح، فلقد كان للتسامح الفضل الأول في انتشار الاسلام وسيكون لهذا التسامح الآن الفضل نفسه في عودته ليقوم برسالته التي هيأها الله تعالى حيث اختاره دينًا للبشرية(30).

       ومن هذه الأخلاق الرحمة التي تعم ولا تخص، ومن قول الرسول عليه الصلاة والسلام «من لايرحم لايُرْحَم» ومن الرحمة بالمجتمع أن تقف غرائز الشر فلا تتجاوز عقالها إلى الإضرار بالنفس أو بالمجتمع، وليس أردع للشر من القصاص فإنه أصون للمجتمع وحقوقه ولحرية الفرد وواجباته.

       كما كان الإسلام مراعيًا للفطرة البشرية ولحاجات المجتمع ولأخلاقه عندما خصص المرأة لوظيفتها الأولى التي خُلِقَتْ من أجلها وحمل الرجل أعباءها لتتفرغ دون قلق على عيشها بكل جهودها وطاقاتها لرعاية الإنتاج البشري وتنشئته على الأخلاق الفاضلة لأن البشر كنز ثمين، وأحاطها في هذه الوظيفة بأرفع سمات التكريم والتقدير فجعل الجنة تحت أقدامها وجعلها أولى الناس بحسن صحابة الأبناء وحقق لها المساواة الإنسانية في الكرامة البشرية واستقلالها الاقتصادي وحرية التعامل المباشر مع المجتمع وحق التعليم بل وجعله فريضة عليها ... كل ذلك مادامت تتمتع بالأخلاق التي أقرها الله للمرأة(31).

       ثم بلغت الأخلاق الإسلامية أقصاها مع الأعداء والمعاملة التي فرضها الإسلام على المسلم في تعامله مع غير المسلمين، حيث حث الإسلام على معاملة غير المسلمين معاملة عادية فقال: تعالى ﴿لاَيَنْهَاكُمُ اللهُ عَنِ الَّذِيْنَ لَمْ يُقَاتِلُوْكُمْ فِي الدِّيْنِ وَلَمْ يُخْرِجُوْكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبرُّوْهُمْ وَتُقْسِطُوْا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِيْنَ﴾ (سورة الممتحنة – آية 8) كما أباح الإسلام للمسلمين أن يأكلوا طعام غير المسلمين وأن يصاهروهم قال تعالى ﴿وَطَعَامُ الَّذِيْنَ أُوْتُوْا الكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِيْنَ أُوْتُوْا الكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ﴾ المائدة آية 5 .

       كما نهى الإسلام عن قتل الأطفال والشيوخ وانتهاك حرمة صوامع الرهبان ومحاربة النساء ومحاربة القرى دون إنذار وحرق المزروعات وقطع الأشجار والنخيل ... الخ من هذه الأخلاق الفاضلة والتي يعطينا التاريخ الإسلامي آلاف النماذج منها في حروب الإسلام وهي حروب أخلاقية في المقام الأول(32).

رابعًا : العلم والعقل والتفكير في الإسلام :

       إذا كان القرآن الكريم كان نصحًا وتشريعًا وقصصًا وتوجيهًا في صيغ من الأمر والنهي، فلقد جاء القرآن مصحوبًا بالدعوة إلى التعقل والتنويه بالفكر والإشادة بالتدبر والتقدير للعلم والعلماء. وتقريع الجهال ولسخرية ممن لايفكرون. والعلم الذي يشيد به القرآن ليس مقصورًا على نوع من العلم معين، وليس التفكير الذي يهب به القرآن محصورًا في نظام محدد من المعرفة، لأن العلم الذي ينوه به القرآن الكريم عام يشمل أنواع العلوم كلها، والتفكير الذي يدعو إليه القرآن الكريم فسيح يتسع لألوان التفكير كله لأن ثمن القرآن الكريم كله تقريبًا آيات متصلة بالعلوم عامة والبقية عقائد وعادات وتشريع وتاريخ وأخلاق .

       ولاغرابة في اهتمام القرآن الكريم بالعلم والفكر والعناية به هذه العناية، لأن العقل هبة من الله ينميها التفكير يغذيها القلم ويرقيها استخدامها فيما خُلِقَتْ له لتهدي إلى الحق والخير ولتدفع إلى الإقرار بوحدانية الله وقدرته وحكمته ولتمكن للناس أن ينتفعوا بما خلق الله في الأرض والسماء ولتكفل لهم حياة أرقى وأسعد وأرغد(33).

       فأول آية نزلت على الرسول «إقرأ» وإذا تأملنا هذه الآيات يمكن أن نقول إذا كانت هذه الآية أول مانزل من القرآن وأول قطرة مباركة من غيث الرحمة الإلهية وكان موضوعها العلم وأدوات العلم من قلم ونحوه وأدبيات العلم فهو باسم ربك أي أنها تعني علمًا نافعًا مباركاً يستمد قدسيته من الله وليس باسم رئيس أو عظيم أو منفعة أو وطن أو جنس أو طبقة وهو علم لايتعالى ولايغشاه جنون العظمة. كما رشحت هذه الآيات القلم كأداة للعلم والمعرفة فأشارت بذلك إلى رسالة هذا العلم(34).

       والإسلام لا ينكر العلم ، وفي الحديث «اطلبوا العلم ولو في الصين» مايعني المعاناة في طلب العلم، ولايعني العلم الديني فليس في الصين مايطلبه المسلمون للتفقه في الدين وانما يعني معنى العلم الطبيعي، والإسلام يعلوا بالعلوم لأنه يخص عليه ويدفع إلى النظر والتأمل والكشف على أسرار الكون، والعلاقات الاجتماعية بصورة لم يصل إليها العالم بعد .

       ويقول سيد قطب في ظلال القرآن ص 66 أن القرآن هو الصورة الأخيرة لكتاب الله الواحد المتحد الأصل والوجهة، المساير لحاجات البشر حتى إذا كشف لنا ساعة الحقائق الكبرى التي تقوم عليها أسس الحياة، انقطع الوحي ليتصرف في العقل البشري في حدود تلك الحقائق الكبرى، بلا خوف من الزمن مادام يرعى تلك الحدود(35).

       وتنبع فلسفة التجريب والعلم في القرآن، وكما يقول إقبال، أن القرآن يرى أن الموقف التجريبي هو طور ضروري من حياة الإنسان الروحية ولذلك فإنه يعلق نفس الأهمية على جميع ميادين التجربة الإنسانية كطرق لمعرفة الحق الذي يكشف عن وجوده بآيات خفية وظاهرة، حتى أن الله خلق الكون للإنسان وفرض عليه أن يعيد عمارته من جديد ﴿أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَّافِي السَمـٰـواتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَه ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً﴾(36) وهذا الموقف يدعو إلى التجريب والعلم بكل أسرار الكون(37).

       ويرى الشيخ شعرَاوي(38) أن الإسلام جاء ليُنَظِّم حركة الحياة ويدعو للتفكير في كل شيء وفي الأخذ بأسباب العلم في كل شيء وبالفعل يمجد الإسلام العقل ويكبر العلماء ويدعو(39) للتأمل في ملكوت السماوات والأرض ثم هو صاحب اليد الطولى على الإنسانية جمعاء وحامل لواء المدنية الحديثة.

       والإسلام بكل المقاييس يدعو إلى العلم ويدعو العلماء إلى التفكير الدائم ويرفعهم إلى مستوى أفضل من بقية البشر وهل يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون؟ . إنها تساؤلات نطق بها القرآن وأجاب عنها كثيرًا وكثيرًا لأنه دعا إلى العلم بأوسع معانيه وبدرجة تصل إلى التفكير في خلق السموات والأرض وما بينهما، لاحدود لنهاية العلم المطلوب الوصول إليه ماعدا الروح التي هي من أمر الله وماعداها يجب التفكير فيه لأن التفكير فريضة إسلامية.

خامسًا : الأمل :

       الإسلام دين الأمل، كما أنه دين البر والتيسير ولأنه دين العلم والعلماء ولأنه دين الأخلاق الرفيعة السامية في وقت السلم والحرب ولأنه دين الحقوق الكاملة للإنسان في كل زمان ومكان ولأنه دين الحقوق الاجتماعية والكفاية الاقتصادية لكل إنسان مسلم كان أو غيره ولذا كان الإسلام هو دين الأمل لإنقاذ البشرية مما تعانيه في القرن العشرين ومابعده من قرون. كيف ذلك.. هذا ما سنحاول تفاصيله وبيانه.

*  *  *

الهوامش :

(25)      د. حسين فوزي النجار : الإسلام والسياسة: مرجع سابق ص 321-325 .

(26)      التغابن آية 14.

(27)      آل عمران آية 110.

(28)      د. حسين فوزي النجار: مرجع سابق ص 206.

(29)      سورة النحل آية 90.

(30)      عبد الحفيظ علي القرش: مرجع سابق ص 10 ، 45.

(31)      لمزيد من التفاصيل: منصور الرفاعي عبد: المرأة (القاهرة – دراسات الإسلام – 178) النعماني القاضي – مرجع سابق ص 68 .

(32)      د. أحمد شلبي: الإسلام مرجع سابق ص 170 ومابعدها.

(33)      د. أحمد الحوفي: القرآن والتفكير (القاهرة – المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية دراسات في الإسلام – 1975) ص 9، 10.

(34)      توفيق محمد سبع: مرجع سابق: ص 39-42 وراجع).

(35)      د. أحمد شلبي: الإسلام (مرجع سابق) ص 112.

(36)      سورة لقمان آية 20.

(37)      Sir. M. Iqbal: The reconstruction of religious Bx x Wlh in Islam (Lahore, Ashraff 54) p.15,16.

(38)      الشيخ محمد متولي الشعراوي: الله والكون: مرجع سابق ص64-96.

(39)      الشيخ محمد الغزالي: مع الله (مرجع سابق ص 309).

*  *  *

 

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . جمادي الأولي 1427هـ = يونيو 2006م ، العـدد : 5 ، السنـة : 30.